اللغة الخالدة
من أجمل خصائص اللغة العربية، اتصال الحروف، إذ يتغير شكل الحرف حسب موضعه في الكلمة وتتغير الكلمة حسب موضعها في الجملة. فلكل شيء سياق. ولو غيرت في الكلمة حرفًا أو ضمة فستعتل الجملة، وتشي الكلمات كلها بالدخيل غير المرحب فيه.
هذا هو سر العربية، نظام حماية داخلي كنظام مناعة الجسد، يحميها من الزوال او الذوبان، ويهب ذو 14 عاما القدرة على قراءة نصوص عمرها 14 قرنًا! ولا تجد ذلك في أي لغة أخرى.
الترجمة الإبداعية
عندما يكون النص جديدًا على اللغة ولا توجد لبعض اجزائه تراجم فسيضطر المترجم إلى الإبداع.
Tiefling: هي كلمة انجليزية ذات اصول المانية، يقصد بها مخلوق خيالي ذو بشرة حمراء وقرون
- أول خطوة: البحث في أصل الكلمة (علّها عربية؟)
حسب وولف جانج باور الذي اشتق هذه الكلمة من الألمانية، أن tief تعني "عميق ، منخفض" و lingتعني النسل و الذُّرية.
- ثاني خطوة: ترجمة الجذور
أي أنهم ابناء الاعماق، وأسفل كل شيء ذي عمق هو الدرك عند العرب، كقولهم الدرك الأسفل، دركات الجحيم.
إذن نصل إلى هذه الكلمة ، أبناء الدرك، أو لنقل الدركان على وزن فعلان للأعلام، كقحطان وكهلان ..إلخ.
- ثالث خطوة: تقييم الكلمة
بالنسبة للنطق، قد نقول الدَرَكان أو الدَرْكان، الدَرَكانيّ والدَرَكانيّة، والذي يدرج في اللسان هو بسكون الراء كأن نقول الدَرْكانيّ للفرد والدَرْكان للجنس كأن نقول: هم من الدرْكان، وللقارئ حرية الاختيار، فبعد كل شيء هذا اصطلاح جديد نقترحه.
الحيلة
في بعض المرات، لن تجد اصطلاحا يصلح للكلمة سوى ترجمتها الحرفية.
على سبيل المثال، كلمة Difficulty Class او باختصار DC، هي أحد قواعد لعبة الدهاليز والتنانين، والذي هو عدد يُعبّر به عن صعوبة الأمر الذي توشك على فعله، كأن تنوي القفز من شاهق إلى البحر، فحسب إرتفاع القفزة، درجة انحدار الدير وهيجان البحر والطقس يقرر الحسيب عددا في السّر بين 2 و 30.
قد يكون هذا العدد 2 إذا كان الأمر أسهل ما يكون و 30 إذا كان الأمر شبه مستحيل. وإذا تغلب اللاعب على ذلك العدد سواء بإحراز التعادل أو عدد أعلى، فسينجح في ما يريد القيام به.
أول فكرة تخطر ببال المترجم، أن يترجمها على هذا النحو درجة الصعوبة ثم يعطي لها اختصارا كهذا : (د.ص).
هذا جدًا ركيك، بل سيء للغاية، كأن الكلمات المجاورة لها تريد طردها من الجملة، قائلة لها: من أنتِ من أخواتنا.
والرأي الفحل هو تفحص النصوص والمعاجم لنجد كلامًا في سياق الصعوبة، وسنجد الشّدة ولكننا نستخدم هذه الكلمة في موضع آخر، والجُهد ولكنها عامة وتضممن معاني أخرى، كل هذه الكلمات واسعة النطاق وقد يتوه القارئ في معانيها وعلاقتها بقواعد اللعبة، ثم سنجد الكلمة التي توافق كل المواصفات، الكّد ، أو كدّ، وهو أيضًا الجُهد والصعوبة، والأدهى في الأمر أن هذه كلمة من حرفين فقط فهي بحد ذاتها الإختصار والحروف هي نفسها حروف الاختصار بالإنجليزية DC، فقط إقرا هذه الكلمة من اليمين. إذن فهي سهلة التذكر، لا تحتاج الإختصار، تفي بالمعنى، وسهلة النطق. وهذا ما يجعلها الأصلح.
وهكذا إما أن نستعمل فيها الحيلة أو نضطر إلى إبتداعها. وأبدًا لا نلجئ إلى أن نقول تيفلينج، كأننا ببغاوات، لا نقول سوى ما نسمع.
وقد تعرضت لكذا موقف من هذه المواقف في العديد من المرات، أحالتني إلى البحث لأسابيع حول معنى كلمة واحدة لأجد لها الإصطلاح المناسب في لسان العرب سواء عرفوها باسم آخر أو شبها لها وما إلى ذلك. وفي نهاية المطاف نقع حتمًا على بيت القصيد. لجزالة كلمات العربية واتساع صدرها بنا.
كانت هذه نبذة بسيطة عن مشكلات الترجمة لمثل هاته النصوص التي لم يسبق لأحد ترجمتها من قبل. وإن كنت لست الأفضل في ذلك، فلست باحثًا في علم الدلالات والمعاجم والبلاغة وماإلى ذلك. ولكني أقرع ظنبوبي في هذا الأمر، وأسدّ ما لم يسده من هو أهل لها من الدكاترة وخريجي الجامعات الراقية.
ونفعل كما قال الشاعر
إذا ما الخيل ضيعها أناس ،،، ربطناها فأشركت العيالا